Skip to main content

الجمال الخالص



 تقول لي: 

أُحب الكمال والجمال في كل أمر، ولزمنٍ طويل عرّفت الكثير من الأشياء على غير تعريفها لأرى جانبها الجمالي فحسب، ونفرت من حقيقتها، كنت أريد الأيام أكثر هدوءًا وجمالًا، فكانت هذه الطريقة الأمثل؛ إلا أن الواقع يأبى الزيف، ومهما بدت الأمور وردية كما نحلم ونتمنى، سندرك يوماً أن النقص والعيب جزء لا ينفك عن هذه الدنيا، بل بهما تتم الصورة وتكتمل، وبهما يُدرك المرء منّا حقيقة كل شيء أقوى وأشد.

ولكنّي عرفتُ ما هو سر الجمال في النقص والعيب! إن النقص والعيب يزيدان القلب تعلقًا بما هو تام وكامل على وجه الحقيقة، ويظل الإنسان يبحث ويلتفت لتهدأ نفسه حين يلتصق بالكامل الجميل، فإذا وجده هان عليه كل شيء، إن الفجوة التي يخلقها النقص والعيب في نفوسنا يدفعنا باحثين عن الجمال التام الحقيقي، باحثين عن الجمال المُطلق الذي لا تشوبه شائبة.

حتى وجدّت روحي بين القرآن! إنه القرآن، سد ظمأي، وملأ روحي، وأتم نقصي، القرآن جليل عظيم! يرى فيه العبد كمال كل شيء، ويرى به العبد حقيقة كل شيء، ويدرك تمام القُرآن وكماله أمام نقص الدنيا، فيأنس بالنعيم المطلق في الدنيا بصحبة القرآن، في سلوى منه في الأنس بالنعيم المطلق في الآخرة حين يُرزق الجنة.

إن القُرآن ليس كأي جمال في الدُنيا، القُرآن تام الجمال في ذاته، وتام الجمال في أساليبه، وتام الجمال في دعوته أن نلتفت للجمال ولا نألفه ونعتاده، فنفقد تلك الروح الحيّة، ومن صاحب القرآن لم يقبل سواه، لأنه به عرف وذاق وتغيّر، وليس من ذاق كمن عرف، وأجمل الجميل في القرآن أنه يُذيقك! فتكون معرفتك بِه منك، لا من غيرك! 

إنكِ ما بحثتِ عن الجمال في القرآن أسركِ الأسلوب والبيان قبل كل شيء، تأمّل وتذوّق في قوله تعالى ﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّۚ ذَ ٰ⁠لِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ۝٩٥ فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّیۡلَ سَكَنࣰا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانࣰاۚ ذَ ٰ⁠لِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ ۝٩٦﴾ [الأنعام]

إنه تصويرٌ جليل لا تستطيعه العيون الغافلة، إنه يحتاج إلى ناظرٍ مُتقن، إلى إنسان صاحب قلبٍ حيّ، يستشعر وقع الكلمات وموضعها ووصفها! ثم في تلك الآيات تفصيل فلق الحب والنوى مع فلق الصبح تصوير عجيب! وتصويرُ النبات الحيّ الفالق للحبّة الصلبة الجامدة مُستقبلًا صُبحًا حيًّا فلق الليل الساكن الجامد ليمدّ له الضياء، جميل! جميل جدًا!


بل القرآن يجعلنا نلتفت للجمال مُباشرةً، أن نرى الكون بعينٍ تبحثُ عن جمال تعرف أصله، فهو من صنع الله عزّ وجل، الجميل الذي يُحبّ الجمال، يقول الله تعالى  ﴿وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ بُرُوجࣰا وَزَیَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِینَ﴾ [الحجر ١٦] فلم تكن السماء سماءً فحسب، بل هي سماءٌ جميلة مُزيّنة! الله رب العالمين زيّنها!

ويقول تعالى ﴿أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَاۤىِٕقَ ذَاتَ بَهۡجَةࣲ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَاۤۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ یَعۡدِلُونَ﴾ [النمل ٦٠] فهذه الحدائق "ذات بهجة" فهي الدّالة بشكل مباشر على حكمة الجمال، ذلك الأثر النفسي المردود على النفس من ذاق، تلك البهجة التي تُنير القلب وتجعله في حالةٍ من الشوق لربّه، والحماس لمعرفة أسرار خلقِه، ليخرج من أسر الروتينية والنمطيّة، فيزداد ألوانًا وطيبًا، فهذه هي الزينة، الزينة التي تعكسُ في الروح البهجة واليقين بالله.

حتى الإيمان! حتى الإيمان يُزيّنه الله في قلب عبده! لا فقط الجمادات أو المخلوقات، بل الإيمان الذي به ينل العبد رتبته عند ربّه يُزيّنه الله عز وجل ﴿وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰ⁠شِدُونَ ۝٧ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ ۝٨﴾ [الحجرات ٧-٨] أي والله! وأي فضل ونعمة أعظم من ذلك! أن يكون الإيمان في قلب العبد، فأحبّه وتزّين في قلبه، فصار العبد يرى بنور الإيمان، تراهُ يكرهُ كل كفر وفسق وعصيان، ولمَ؟ لأنه ذاق الجمال الحقيقي فصار له ميزان، وصار له ذوقٌ أقرب للحقيقة.

وذلك لأن جمال القرآن وجمال الحق يُحرر الإنسان لا يُقيّده، أما كُل زينة فاسدة تُقيّد الإنسان وتأسره، فالدنيا كما وصفها رسول الله ﷺ  (إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَناظر كيفَ تَعْمَلُونَ) وهذه هي! ميّزها لنا سُبحانه وتعالى أنها ليست الزينة الحقيقة، إن زينتها زينة ابتلاء! زينة زائلة، شائبة، لا تسد ظمأ الشوق للجمال الكامل التام، يقول الله تعالى ﴿ٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱ وَزِینَةࣱ وَتَفَاخُرُۢ بَیۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرࣱ فِی ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠لِ وَٱلۡأَوۡلَـٰدِۖ كَمَثَلِ غَیۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرࣰّا ثُمَّ یَكُونُ حُطَـٰمࣰاۖ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابࣱ شَدِیدࣱ وَمَغۡفِرَةࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰ⁠نࣱۚ وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ﴾ [الحديد ٢٠] أرأيت؟ وهذا جمال آخر للقرآن! جمال الحقّ المُبين! إنك به تُبصر الحق فقط، مهما بدا، مهما كان! الحق تعرفهُ جيّدًا حين يُخبرك عنه القُرآن.

فالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب!


ومن جمال القرآن أنه يأخذك.. أنه ينقلك، ويُكسبك شعورًا غير شعورك، فتكون أكثر سعة، وتعش بالقرآن زمنًا يمتد زمنك، فتراهُ في القصص يدخل لداخل الإنسان وقلبه، بل يُبيّن لك أجل القلوب وأعظمها حتى تعرف كيف يكون القلب جميلًا! تأمّل معي ﴿أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر ٩] فبعد الصورة الظاهرة التي لا يختلف الناس عليها، يصوّر لك القرآن المشاعر الداخلية التي لا يعلمها إلا الله عزّ وجل، يصوّر لك صدر هذا القانت، وتقلّب قلبه بين حالة الحذر والرجاء، فتتجاوز ببصرك جسد القانتين القائمين، إلى قلوبهم وما يشعرون!

بل حتى قلوب أطهر البشر، الأنبياء! يجعلك القرآن تتذوّق جمالها وجلالها، فهذا موسى عليه السلام ﴿فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٢١ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَاۤءَ مَدۡیَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یَهۡدِیَنِی سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ ۝٢٢﴾ [القصص ٢١-٢٢] فأنت تُراقب خوفه لتكون أقرب في دعاءه، فترى صدق لجوءه، وترى كل حركة كان يتحرّكها -عليه السلام- ومعية الله معه.. عسى ربي أن يهديني سواء السبيل! فصار نبيًّا! صار كليم الله!

مشهد آخر مع جمال قلب يعقوب -عليه السلام- ﴿قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرࣰاۖ فَصَبۡرࣱ جَمِیلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَنِی بِهِمۡ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ ۝٨٣ وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ یَـٰۤأَسَفَىٰ عَلَىٰ یُوسُفَ وَٱبۡیَضَّتۡ عَیۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِیمࣱ ۝٨٤ قَالُوا۟ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُا۟ تَذۡكُرُ یُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَـٰلِكِینَ ۝٨٥ قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ۝٨٦﴾ [يوسف ٨٣-٨٦] إنه الصبر الجميل! الصبر الذي دام أعوامًا وأعوامًا، صبرٌ كان جماله في يقينٍ لا تشوبه شائبه، كان جماله في أن يقول لهم ﴿یَـٰبَنِیَّ ٱذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [يوسف ٨٧] أرأيت الجمال؟! إنه يُفصح عن مشاعرٍ لا تعرفها قلوبنا إلا بآياتِ الله عزّ وجل، لا تعرفها قلوبنا إلا بمعرفة قلوب رُسل الله عزّ وجل!

 وأختم مشاهد الجمال لأجمل القلوب وأجلّها، في كُل آية فيها خطاب لنبيّنا مُحمد صلى الله عليه وسلم، حين تتأمّلها وتنظر فيها، تعلم جيّدًا قدر نبيّك عند ربّ العالمين! 

﴿وَٱلضُّحَىٰ ۝١ وَٱلَّیۡلِ إِذَا سَجَىٰ ۝٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ۝٣ وَلَلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ ۝٤ وَلَسَوۡفَ یُعۡطِیكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰۤ ۝٥ أَلَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیمࣰا فَـَٔاوَىٰ ۝٦ وَوَجَدَكَ ضَاۤلࣰّا فَهَدَىٰ ۝٧ وَوَجَدَكَ عَاۤىِٕلࣰا فَأَغۡنَىٰ ۝٨﴾ [الضحى ١-٨]


إن جمال القرآن ليس ذاك الجمال الذي يجعل صاحبه في حالة من الوهم، في حالةً بعيدة عن واقعه، بل جمال القرآن في أنه حقّ! حق مُبين يخترق القلب اختراقًا كأنّه يعرفه، وهو يعرفه! فالقرآن كلام الله، وقلوب العباد خلق الله! فإذا اجتمعا ﴿نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ﴾

فاللهم ارزقنا! اللهم لا تحرمنا!


Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

أقربُ إلى أَبِينَا آدم

  أمام كُل الأقوال التي تدّعي أن الإنسان يقوم بمُفردِه، يأبى الواقع مرارًا إلا أن يُثبت ضعف الإنسان وحاجته إلى ركُنٍ شديد يأوي إليه، فالضعفُ أمر مكتوب على الإنسان، وما أشدَّ الضعف حين لا يجد الإنسان من يستعين به! لكن حين يعرف ربّه الغني، هُنا يتفتح من الجلال والجمال ما يجعل للضعفِ حلاوة، يحيى بها العبد راضيًا مُشتاقًا. إن إدراك الضعف هو أولى الخطوات ليتعرّف الإنسان إلى ربّه، فإن أبانا آدم -عليه السلام- بضعفه الأوّل -حين أكل من الشجرة- تعرّف إلى الله -عز وجل- باسمه "التواب الرحيم"، يقول الله تعالى ﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ وهكذا علّمنا أبونا!  وحول هذا يقول ابن القيّم -رحمه الله- (فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الأسماء الْحسنى، فَمن أسمائه الغفور الرَّحِيم، الْعَفو الْحَلِيم، الْخَافِض الرافع، الْمعز المذل، المحيي المميت، الْوَارِث الصبور، وَلَا بُد من ظُهُور آثَار هَذِه الأسماء؛ فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أن ينزل آدم وَذريته دَارًا يظْهر عَلَيْهِم فِيهَا أثر أسمائه الحُسنى، فَيغْفر فِيهَا لمن يَشَاء، وَيرْ

المُطلق المُدرك

  بين اتساعين: يقول الله عزّ وجل ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا﴾ حين يعيش القلب في النعيم الأخروي، ويتقلّب بين مشاهد الجِنان.. تأتي خاطرة مُلّحة، هذه الخاطرة تتساءل مُتعجّبة "للأبد؟" "خالدين فيها؟" فكلمة الأبد أو الخلود كلمات لها مُطلق لا يُدركها العقل الدنيوي المحدود، تأتي كلمة الأبد ولا يستطيع العقل استيعاب اللاحد! لا يستطيع التصوّر إلا بتوّقف الزمن! ثم إذا ما جاء وصف الجنّة وجدنا الحديث القُدسي الذي يقول اللهُ تعالى فيه: "أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، ذخرًا بَلْهَ ما أطلعتُهم عليه، اقرأوا إن شئتم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُونَ)"، فيقف العقل مرةً أُخرى أمام "ولا خطر على قلب بشر" فيحاول أن يتصوّر الجمال، ويتخيّله، ويدمجه، فلا يجد سبيلًا إلا بما يعرفه، فكيف بما لا

العبودية والتربية

مُقدّمة: في كل أمر من أمور حياتنا ومع واقعنا المُعاصر، لا بد أن نسأل "لماذا؟" حتى وإن بدا الأمر بدهيًّا، وذلك لأننا نحمل الكثير من الشوائب الفكرية المتخلطة، سواء من ثقافة المجتع، أو من الفكر الغربي، أو من غيرهما. وسؤال "لماذا" ضروري لأنه يكشف للإنسان المكرزية التي ينطلق منها، ومتى وضع الإنسان يده عليها فهم الكثير من الأفعال التي يرتكبها، فهل الإنسان المُعاصر مركوزًا إلى ركن شديد يأوي إليه؟ أم أنه في حالة لزجة لا تعرف الحدود والبدايات؟ النقطة الثانية في سؤال "لماذا" لأنه يفضح أو يكشف، يكشف أنّه لا حقائق إلّا حقيقة واحدة -الركن الشديد- وهي الحقيقة التعبديّة، الحقيقة التي يحيا من أجلها الإنسان ويموت عليها، لذا دعنا نسأل سؤال "لماذا" فيما يخص موضوعنا اليوم ألا وهو التربية، لماذا نُربّي؟ لو قال قائل حتى يكون مجتمعنا مجتمعًا فضيلًا، يستمتع بالأمان، لسألناه ثم بعد ذلك؟ يعيش سعيدًا.. ثم بعد ذلك؟ اااه.. نموت، وبالتالي يكشف الموت حقيقة الأشياء، ماذا بعد الموت إذًا؟ هل أديت المطلوب في التربية والذي ينفع لما بعد الموت؟ وبالتالي الإنسان العاقل، هو الذي تكون إ