Skip to main content

في جماليّة تذوّق النص

 




مُقدّمة:


في جمالية هبة التعلّم، وقراءة النصوص واستشعار حُسنها، ولا أقصد العلم بمعناه المعرفي فحسب، بل هو بحس التذوّق والمُعايشة، بحس الإندماج في كيان الإنسان فيكون جزءًا منه وحاضرًا به.


الإنسان كائن مُركّب.. بمعنى أن كل إنسان تتدّخل فيه بعض الأمور التي تكوّن هذا الكائن الماثل أمامنا، بيئته، تربيته، شخصه، حياته، تجاربه، هذه التشكيلة في ذاتها لا تكرر كثيرًا.. فتلّقي هذه التركبية لشيء سيعالجها بطريقة مختلفة تمامًا عن غيره، بالرغم من أنها نفس المعلومة، ولكن جمالية الاختلاف لتوليد المعنى كانت في هذه النقطة، وذلك بحسب كُل انسان وتركيبته!




في جماليات تذوّق النص:


في الحديث عن الجمّاليات أولًا:


في كل حديثٍ يتمّلك قلبي أُباشره بالتساؤلات، لأعرف أصلِه.. وأفهمه.. ومن أين جاء لأُكرمه إن كان طيّب الأصل، وفي تساؤلي لنفسي عن تفضيلها للجمال وجدت الأشياء العجيبة.. فالجمال بذاته فطري فينا، قد خلقنا الله في أحسن تقويم، والتقويم هنا ليس الجسد والصورة فحسب بل ما بداخلنا؛ كل ما يؤهل الإنسان للقيام بدور العبوديّة.. قابليته للتعلّم، معنى التعقّل، كل معنى وما يضاده قد رُكّب في الإنسان بطريقة جعلته في أحسن تقويم.


ومن ضمن ما رُكّب فيه… مييزه للجمال والقُبح، وميله الفطري إلى ما هو جميل.


بل ليس ميلًا للجميل فحسب، بل ميلًا لصناعة الجمال، وليست صناعة الجمال قاصرة على لوحةٍ أو صناعة يديويّة، بل قد يكون في فكرة، في تأمّل، في صياغة بيانٍ يلمس القلب بجماليته.




بل والناظر في القرآن سيجد أن الآيات التي تدعوا للتفكّر والتأمل تلتفت إلى الجمال، فالسماء ليست سماء فحسب.. بل سماء جميلة.. يقول الله تعالى "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ"


وفي الشجر لم يكن شجرًا فحسب، بل شجرًا جميلًا! يقول تعالى "أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ" 


فكلمة مثل "زّيناها" ومثل "ذات بهجة" هي كلمات تستحق الوقوف لتُسقى الروح وتورد على موردها، كلمات تذوّقها القلب وفرح بها، كلماتٍ تورد حُبنا للجمال، فسُبحان من خلق فينا حُب الجمال، وخلق الكون جميلًا فنرتوي، فتبتهج نفوسنا.




فحفظ حساسية الروح أمرًا هامًّا جدًا، ولو استسلم الإنسان لما هو عليه -بطبيعة عصرنا الأجوف- لتلاشت روحه، وظل سحابة سوداء تحاول أن تُمطر وتنفع الناس، لكن المطر محبوس فيها يأبي الهطول، فحساسية الروح هي التي تُحرّك المشهد.




وهذه جمالية بدأت بها لأنها من أجمل الأشياء في هذه الدُنيا، وأجلّها، وأعظمها، وأحكمها، وأجودها..


في جماليات تذوّق النص لا اتحدّث عن قراءة النص، أو فهمه، أو معرفة الغرض منها، بل اتحدّث عن حساسية الروح أمام النصوص الجميلة، بل واتحدّث عن إعجاز الله عز وجل في أن يجعل من البيان سحرا، والمُراد بالبيان كما ذكر عظيم آبادي: (اجتماع الفَصَاحة والبَلَاغة وذكاء القلب مع اللِّسان، وإنَّما شُبِّه بالسِّحر لحِدَّة عمله في سامعه، وسرعة قبول القلب له)


فحديثنا على قسمين: 


القسم الأوّل: عظيم خلق الله في أنه سبحانه "علّم الإنسان البيان" كما قال تعالى "الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)" 


والقسم الآخر: أثر النص والكلام في النفس البشريّة.


أمّا عن كون الإنسان يستطيع البيان عمّا في عالمه الداخلي الذي لا يراهُ إلا هو؛ لأمر عجيب! تخيّل أن صدورنا زُجاجيّة، يُرى بداخلها، يستطيع كُل إنسان معرفة حديث داخل الآخر، يُفهم دون البيان بِه، وما يجول بعالمه اللامرئي، غريب.. بل سنفتقد الكثير، سيكون كُل إنسانٍ وحيد، والكُل سيعلم داخل الكُل.


ولكن بالبيان تتصّل النفس بالنفس، بعيدًا عن كُل الصور، بعيدًا عن كم الخواطر والأفكار التي يحملها كل فردٍ منّا، هذا الشعور تحديدًا يكون لهذا، أمّا هذا فلهذا، وهكذا فيتخيّر الإنسان أحاديث روحه، ويُمرر خيراها بعض تمحيص وتنقيّة، فيحصل له تهذيبٌ لنفسه، ويحصل له قُرب نفس الآخر مِنه.




بيان السابقين!


بجانب ذلك لولا البيان لحُرمنا الكثير، تخيّل أن خواطر السابقين، والفتوحات الربّانيّة، والعلوم، ومعاني التزكيّة، قُرأت من صدورهم، دون أن يُجيدوا علينا أبناء هذا الزمان بكتاباتهم، فكُل عالمٍ، وكل مُعلّم قد أبان وعلّم، قد خطّ وتكّلم، فعرفنا نحنُ 


فالبيان كما ذكر شيخنا وجدان العلي "فنحن عندما نتدارس البيان، ووجوه العبقرية فيه، فإننا نمد أيدينا لتصل إلى جذر الإنسان، وإذا علمت هَذا الأصل الشريف، أن اَّلبيان أخصََ خُّصائص النفس البشرية التي تكشف معدنها وتريُك حقيقة ما بها بلا حجِاب أو كسِاء" فالإنسان علاقته مع هذا العالم علاقة إبانة، والإبانة نوعين: إبانة لغوية، وإبانة حسيّة، فمن اعتمد تكوين تصوّره أو إبانته أو ظهور الشيء ووضحه في صورة أو في شيء ملموس فقد اختزل العالم، لذا امتاز العرب عن غيرهم أن رأوا الكون بالشيئين، كانت لغتهم العربيّة تُنير لهم السماء، وكانت لغتهم تسقيهم الماء، فالسماء والماء وكل الأرض بلا لغة تعكس شعور الإنسان اتجاها صامته، والقلوب تفرح حينما تسمع كلمة تصف شعورها تمامًا، وهذا هو البيان.. إنه يكشف مكامن النفس الإنسانيّة، إنه يخلق للإنسان عالم آخر غير نفسه.




أما الجزء الثاني وهو تأثّر النفس البشرية بهذا البيان هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عندما قدم رجلان من المشْرق فخطبا فعجب النَّاس لبَيَانِهما، فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحرًا»، ويقول عُلماؤنا في معنى هذا الحديث: "والمرادُ بالبيانِ: اجتِماعُ الفَصَاحةِ والبَلَاغةِ وذكاءُ القَلبِ مع اللِّسانِ، والمعنى: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يُشبِهُ السِّحرَ مِن حيثُ جَلْبُ القلوبِ والغَلَبةُ على النفوسِ والتأثيرُ فيها، فيَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ وذلك لحدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القلْبِ له، فيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ.


وشبَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الخبرِ البَيانَ بِالسِّحرِ؛ إذ السَّاحِرُ يَستَميلُ قَلبَ النَّاظرِ إليه بسِحرِه وشَعوذَتِه، والفَصيحُ الذَّرِبُ اللِّسانِ يَستميلُ قُلوبَ النَّاسِ إليه بِحُسنِ فصاحتِه ونَظْمِ كلامِه؛ فالأَنْفُسُ تكونُ إليه تائقةً، والأعيُنُ إليه رامِقةً.


واختُلِفَ في هذا الحديثِ؛ هل هو على وجْهِ الذَّمِّ أو على وجْهِ المدْحِ؟ والأقرَبُ: أنَّ هذا الحديثَ ليس ذمًّا لِلبَيانِ كُلِّه، ولا مَدْحًا؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مِن البَيانِ»، فأتى بِلَفظةِ (مِنْ) الَّتي لِلتَّبعيضِ.


وفي الحديث: إشارةٌ إلى ضَرورةِ الحَذَرِ مِنْ مَعسولِ الكلامِ؛ لأنَّه كالسِّحرِ، فقدْ يَقلِبُ الحَقَّ باطِلًا، والباطِلَ حَقًّا." إلى هنا انتهى كلامهم، وهذا إعجاز آخر، ميل النفس مع البيان، وتذوّقها، بل تأثّرها به دون أن تقف عنده!




فُقدان التذوّق في العالم الحديث


أشعر أن العالم وأحاديثه قد تخنق الإنسان أحيانًا حينما ينسى أن يتذوّق حرارة النص، فالعلم كما أحب تسميته "نضج المعلومة"، المعلومة بارده، ولكن أن تستقبل حرارتها يعني أن تعيش في أجواء هذه الروح التي قالت هذا الكلام، إنه ليس كلام أسطوري او ضرب من الخيال.. إنها قد تكون نفس الكلمة ولكنها حينما خرجت من فلان كانت غير فلان، وهكذا الحياة مع كتب التُراث.. أعتقد أن مفهوم الفتنة هو أوسع مما نتخيّل، نعتقد أن الفتنة منحصرة في شبة أو شهوة، ولكنها قد تتخطى لطريقة سلوك وانطماس لطبيعة، قد تكون حالة التشتت التي تمكّنت من الكثير هي فتنة، أن يكون الإنسان غير قادر على أن يجلس دقيقتين دون أي مثير فتنة، النفوس في خلاصها وصفائها لم تعد كما كانت.




في الحديثِ القيّم لابن القيّم -رحمه الله- عن القُرآن!


وفي كتب السابقين يلحظ المرء مدى الفجوة النفسية الحاصلة، أراقب الكثير من خلال كلماته، فيصيبني شيء من الجلال والجمال، مثلًا حين تقرأ لابن القيّم -رحمه الله- بتذوّق، لا تستطيع إلا أن تقفز فرحًا من هذه الجماليات المبثوثة في كل سطر، فمثلًا يقول:


"وهذه أمورٌ لا تُدْرَكُ إلا ببصر القلب ــ وهو العقل ــ؛ فإنَّ الحِسَّ دلَّ على الآية، والعقلَ دلَّ على ما جُعِلَت آيةً له، فذكر سبحانه الآيةَ المشهودةَ بالبصر، والمدلولَ عليه المشهودَ بالعقل، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: ٢٤].


فتباركَ الذي جعل كلامَه حياةً للقلوب وشفاءً لما في الصدور.




وبالجملة؛ فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر؛ فإنه جامعٌ لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والرجاءَ والإنابةَ والتوكُّل والرضا والتفويض والشكرَ والصبرَ وسائر الأحوال التي بها حياةُ القلب وكمالُه، وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فسادُ القلب وهلاكُه.




فلو عَلِمَ الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبُّر لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواها، فإذا قرأه بتفكُّرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه كرَّرها ولو مئة مرَّة، ولو ليلة؛ فقراءةُ آيةٍ بتفكُّرٍ وتفهُّمٍ خيرٌ من قراءة ختمةٍ بغير تدبُّرٍ وتفهُّم، وأنفعُ للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذَوْقِ حلاوة القرآن."




أذُقت حلاوة القُرآن؟


Comments

Popular posts from this blog

أقربُ إلى أَبِينَا آدم

  أمام كُل الأقوال التي تدّعي أن الإنسان يقوم بمُفردِه، يأبى الواقع مرارًا إلا أن يُثبت ضعف الإنسان وحاجته إلى ركُنٍ شديد يأوي إليه، فالضعفُ أمر مكتوب على الإنسان، وما أشدَّ الضعف حين لا يجد الإنسان من يستعين به! لكن حين يعرف ربّه الغني، هُنا يتفتح من الجلال والجمال ما يجعل للضعفِ حلاوة، يحيى بها العبد راضيًا مُشتاقًا. إن إدراك الضعف هو أولى الخطوات ليتعرّف الإنسان إلى ربّه، فإن أبانا آدم -عليه السلام- بضعفه الأوّل -حين أكل من الشجرة- تعرّف إلى الله -عز وجل- باسمه "التواب الرحيم"، يقول الله تعالى ﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ وهكذا علّمنا أبونا!  وحول هذا يقول ابن القيّم -رحمه الله- (فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الأسماء الْحسنى، فَمن أسمائه الغفور الرَّحِيم، الْعَفو الْحَلِيم، الْخَافِض الرافع، الْمعز المذل، المحيي المميت، الْوَارِث الصبور، وَلَا بُد من ظُهُور آثَار هَذِه الأسماء؛ فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أن ينزل آدم وَذريته دَارًا يظْهر عَلَيْهِم فِيهَا أثر أسمائه الحُسنى، فَيغْفر فِيهَا لمن يَشَاء، وَيرْ

المُطلق المُدرك

  بين اتساعين: يقول الله عزّ وجل ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا﴾ حين يعيش القلب في النعيم الأخروي، ويتقلّب بين مشاهد الجِنان.. تأتي خاطرة مُلّحة، هذه الخاطرة تتساءل مُتعجّبة "للأبد؟" "خالدين فيها؟" فكلمة الأبد أو الخلود كلمات لها مُطلق لا يُدركها العقل الدنيوي المحدود، تأتي كلمة الأبد ولا يستطيع العقل استيعاب اللاحد! لا يستطيع التصوّر إلا بتوّقف الزمن! ثم إذا ما جاء وصف الجنّة وجدنا الحديث القُدسي الذي يقول اللهُ تعالى فيه: "أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، ذخرًا بَلْهَ ما أطلعتُهم عليه، اقرأوا إن شئتم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُونَ)"، فيقف العقل مرةً أُخرى أمام "ولا خطر على قلب بشر" فيحاول أن يتصوّر الجمال، ويتخيّله، ويدمجه، فلا يجد سبيلًا إلا بما يعرفه، فكيف بما لا

العبودية والتربية

مُقدّمة: في كل أمر من أمور حياتنا ومع واقعنا المُعاصر، لا بد أن نسأل "لماذا؟" حتى وإن بدا الأمر بدهيًّا، وذلك لأننا نحمل الكثير من الشوائب الفكرية المتخلطة، سواء من ثقافة المجتع، أو من الفكر الغربي، أو من غيرهما. وسؤال "لماذا" ضروري لأنه يكشف للإنسان المكرزية التي ينطلق منها، ومتى وضع الإنسان يده عليها فهم الكثير من الأفعال التي يرتكبها، فهل الإنسان المُعاصر مركوزًا إلى ركن شديد يأوي إليه؟ أم أنه في حالة لزجة لا تعرف الحدود والبدايات؟ النقطة الثانية في سؤال "لماذا" لأنه يفضح أو يكشف، يكشف أنّه لا حقائق إلّا حقيقة واحدة -الركن الشديد- وهي الحقيقة التعبديّة، الحقيقة التي يحيا من أجلها الإنسان ويموت عليها، لذا دعنا نسأل سؤال "لماذا" فيما يخص موضوعنا اليوم ألا وهو التربية، لماذا نُربّي؟ لو قال قائل حتى يكون مجتمعنا مجتمعًا فضيلًا، يستمتع بالأمان، لسألناه ثم بعد ذلك؟ يعيش سعيدًا.. ثم بعد ذلك؟ اااه.. نموت، وبالتالي يكشف الموت حقيقة الأشياء، ماذا بعد الموت إذًا؟ هل أديت المطلوب في التربية والذي ينفع لما بعد الموت؟ وبالتالي الإنسان العاقل، هو الذي تكون إ