Skip to main content

ظل الأشجار ورجالنا

 


- سأُخبرك بشيء لكن عدني ألّا تُخبر به أحدًا سوى ابنائك في المُستقبل .. اتفقنا؟ 


- اتفقنا


تأخذ طفلها بيده وتُكمل حديثها السري، وعينا ولدها يملؤها الحماسة، فترفع كفّهِ على خدها وتقول له: أنتَ رجلُ حقيقي يا ولدي..


إن الفتى وليدُ الحنان والصدق، والرجل الحقيقي هو ذلك الفتى، إننا الأمهات نغرس بأيدينا أشجارًا ستكون ظلًا تسظل به نساء هذه الأُمّة، هذه الأشجار العظيمة تكون بذرة صغيرة.. وأنت كنت إحدى هذه البذور، وفي الحقيقة كُنتُ خائفة جدًا كوني مسؤولة عن بذرة تُسّلم أمرها لي، وسيسألني الله كيف أكرمتِ تلك البذرة؟


كانت النساء في زمني لا تكترث في أن تتعلّم الصبر والتأنّي حتى تعطي البذرة حقّها في النمو والنضج، لكنّي كنتُ أحارب هواي كثيرًا وأتعلم الصبر قبل أن تأتي، والآن بدأت علامات نضج تلك البذرة في الظهور.



أن تستمع لي وتُخبرني بعينك قبل لسانك أنك مُقبل إليّ بكُلّك، وأن اتحسس بيدك آمانًا وصدقا، هي أولى علامات تلك البُشرى، والرجل الصادق شجرة صامدة، تسقيها الأم وترعاها، ثم تُسّلمها لامرأة واعية لترعى تلك الشجرة القويّة فتصير الشجرة لها من الخير الكثير.


نعم تتطّلب الرعاية الصبر الكثير، وهذا ما تُهديه الأم لابنائها.


لكنّها تُهدي طفلتها القدرة على أن ترعى وتحنو، وتهدي طفلها القدرة على العطاء والصمود لحماية المُستظلين، إن الله قد خلقنا رجالًا ونساءً حتى تنمو أنفسنا نموًّا داخليًّا ونموّاً خارجيّا حين نتكامل ويجد الآخر كيف يسد الآخر حاجته، لا لتقدح الأشجار في زارعيها ولا أن يتوّلى الزارعون عن العناية بتلك البذور، حينها لن تنمو الأشجار ويموت الزُرّاع، وتبقى الأرض ميّته خالية من كل الألوان "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ"


سأذكر لك شيئًا يُثري رُوحك.. يجعلك مُحلّقًا بين أرجاء السماء! إنني أحتاج إليك.. نعم بهذه البساطة وهذه القوّة أيضًا، خلقني الله على ضعفين، ضعف العبودية وأنني أمةٌ له.. ولا حول لي ولا قوّة إلا بِه، وضعفي الثاني أنني لا أُجيد الخوض في هذه الحياة وحدي، اتألم من أقل الكلمات، لا أجيد مواجهة هذا الكم الهائل من النفوس المختلفة، اهدأ بين نفسي ونفسك.. أُجيد التأمّل في الأعماق ولا استطيع العمل على الأُفق، فأنا ضعيفة.


ثم يا ولدي.. يقول ربّي "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" الرجل الحق رجل نبيل، جليل، يتجلّى في قول ابنة مدين عن موسى عليه السلام "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ" فالقوي لأني ضعيفة، والأمين لأني خائفة، والرجل الحق هو من يمدّ ضعفي بالقوّة، وخوفي بالأمن فتهدأ أركاني وتتفتّح له بساتين روحي.



Comments

Popular posts from this blog

أقربُ إلى أَبِينَا آدم

  أمام كُل الأقوال التي تدّعي أن الإنسان يقوم بمُفردِه، يأبى الواقع مرارًا إلا أن يُثبت ضعف الإنسان وحاجته إلى ركُنٍ شديد يأوي إليه، فالضعفُ أمر مكتوب على الإنسان، وما أشدَّ الضعف حين لا يجد الإنسان من يستعين به! لكن حين يعرف ربّه الغني، هُنا يتفتح من الجلال والجمال ما يجعل للضعفِ حلاوة، يحيى بها العبد راضيًا مُشتاقًا. إن إدراك الضعف هو أولى الخطوات ليتعرّف الإنسان إلى ربّه، فإن أبانا آدم -عليه السلام- بضعفه الأوّل -حين أكل من الشجرة- تعرّف إلى الله -عز وجل- باسمه "التواب الرحيم"، يقول الله تعالى ﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ وهكذا علّمنا أبونا!  وحول هذا يقول ابن القيّم -رحمه الله- (فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الأسماء الْحسنى، فَمن أسمائه الغفور الرَّحِيم، الْعَفو الْحَلِيم، الْخَافِض الرافع، الْمعز المذل، المحيي المميت، الْوَارِث الصبور، وَلَا بُد من ظُهُور آثَار هَذِه الأسماء؛ فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أن ينزل آدم وَذريته دَارًا يظْهر عَلَيْهِم فِيهَا أثر أسمائه الحُسنى، فَيغْفر فِيهَا لمن يَشَاء، وَيرْ

المُطلق المُدرك

  بين اتساعين: يقول الله عزّ وجل ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا﴾ حين يعيش القلب في النعيم الأخروي، ويتقلّب بين مشاهد الجِنان.. تأتي خاطرة مُلّحة، هذه الخاطرة تتساءل مُتعجّبة "للأبد؟" "خالدين فيها؟" فكلمة الأبد أو الخلود كلمات لها مُطلق لا يُدركها العقل الدنيوي المحدود، تأتي كلمة الأبد ولا يستطيع العقل استيعاب اللاحد! لا يستطيع التصوّر إلا بتوّقف الزمن! ثم إذا ما جاء وصف الجنّة وجدنا الحديث القُدسي الذي يقول اللهُ تعالى فيه: "أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، ذخرًا بَلْهَ ما أطلعتُهم عليه، اقرأوا إن شئتم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُونَ)"، فيقف العقل مرةً أُخرى أمام "ولا خطر على قلب بشر" فيحاول أن يتصوّر الجمال، ويتخيّله، ويدمجه، فلا يجد سبيلًا إلا بما يعرفه، فكيف بما لا

العبودية والتربية

مُقدّمة: في كل أمر من أمور حياتنا ومع واقعنا المُعاصر، لا بد أن نسأل "لماذا؟" حتى وإن بدا الأمر بدهيًّا، وذلك لأننا نحمل الكثير من الشوائب الفكرية المتخلطة، سواء من ثقافة المجتع، أو من الفكر الغربي، أو من غيرهما. وسؤال "لماذا" ضروري لأنه يكشف للإنسان المكرزية التي ينطلق منها، ومتى وضع الإنسان يده عليها فهم الكثير من الأفعال التي يرتكبها، فهل الإنسان المُعاصر مركوزًا إلى ركن شديد يأوي إليه؟ أم أنه في حالة لزجة لا تعرف الحدود والبدايات؟ النقطة الثانية في سؤال "لماذا" لأنه يفضح أو يكشف، يكشف أنّه لا حقائق إلّا حقيقة واحدة -الركن الشديد- وهي الحقيقة التعبديّة، الحقيقة التي يحيا من أجلها الإنسان ويموت عليها، لذا دعنا نسأل سؤال "لماذا" فيما يخص موضوعنا اليوم ألا وهو التربية، لماذا نُربّي؟ لو قال قائل حتى يكون مجتمعنا مجتمعًا فضيلًا، يستمتع بالأمان، لسألناه ثم بعد ذلك؟ يعيش سعيدًا.. ثم بعد ذلك؟ اااه.. نموت، وبالتالي يكشف الموت حقيقة الأشياء، ماذا بعد الموت إذًا؟ هل أديت المطلوب في التربية والذي ينفع لما بعد الموت؟ وبالتالي الإنسان العاقل، هو الذي تكون إ