- سأُخبرك بشيء لكن عدني ألّا تُخبر به أحدًا سوى ابنائك في المُستقبل .. اتفقنا؟
- اتفقنا
تأخذ طفلها بيده وتُكمل حديثها السري، وعينا ولدها يملؤها الحماسة، فترفع كفّهِ على خدها وتقول له: أنتَ رجلُ حقيقي يا ولدي..
إن الفتى وليدُ الحنان والصدق، والرجل الحقيقي هو ذلك الفتى، إننا الأمهات نغرس بأيدينا أشجارًا ستكون ظلًا تسظل به نساء هذه الأُمّة، هذه الأشجار العظيمة تكون بذرة صغيرة.. وأنت كنت إحدى هذه البذور، وفي الحقيقة كُنتُ خائفة جدًا كوني مسؤولة عن بذرة تُسّلم أمرها لي، وسيسألني الله كيف أكرمتِ تلك البذرة؟
كانت النساء في زمني لا تكترث في أن تتعلّم الصبر والتأنّي حتى تعطي البذرة حقّها في النمو والنضج، لكنّي كنتُ أحارب هواي كثيرًا وأتعلم الصبر قبل أن تأتي، والآن بدأت علامات نضج تلك البذرة في الظهور.
أن تستمع لي وتُخبرني بعينك قبل لسانك أنك مُقبل إليّ بكُلّك، وأن اتحسس بيدك آمانًا وصدقا، هي أولى علامات تلك البُشرى، والرجل الصادق شجرة صامدة، تسقيها الأم وترعاها، ثم تُسّلمها لامرأة واعية لترعى تلك الشجرة القويّة فتصير الشجرة لها من الخير الكثير.
نعم تتطّلب الرعاية الصبر الكثير، وهذا ما تُهديه الأم لابنائها.
لكنّها تُهدي طفلتها القدرة على أن ترعى وتحنو، وتهدي طفلها القدرة على العطاء والصمود لحماية المُستظلين، إن الله قد خلقنا رجالًا ونساءً حتى تنمو أنفسنا نموًّا داخليًّا ونموّاً خارجيّا حين نتكامل ويجد الآخر كيف يسد الآخر حاجته، لا لتقدح الأشجار في زارعيها ولا أن يتوّلى الزارعون عن العناية بتلك البذور، حينها لن تنمو الأشجار ويموت الزُرّاع، وتبقى الأرض ميّته خالية من كل الألوان "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ"
سأذكر لك شيئًا يُثري رُوحك.. يجعلك مُحلّقًا بين أرجاء السماء! إنني أحتاج إليك.. نعم بهذه البساطة وهذه القوّة أيضًا، خلقني الله على ضعفين، ضعف العبودية وأنني أمةٌ له.. ولا حول لي ولا قوّة إلا بِه، وضعفي الثاني أنني لا أُجيد الخوض في هذه الحياة وحدي، اتألم من أقل الكلمات، لا أجيد مواجهة هذا الكم الهائل من النفوس المختلفة، اهدأ بين نفسي ونفسك.. أُجيد التأمّل في الأعماق ولا استطيع العمل على الأُفق، فأنا ضعيفة.
ثم يا ولدي.. يقول ربّي "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" الرجل الحق رجل نبيل، جليل، يتجلّى في قول ابنة مدين عن موسى عليه السلام "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ" فالقوي لأني ضعيفة، والأمين لأني خائفة، والرجل الحق هو من يمدّ ضعفي بالقوّة، وخوفي بالأمن فتهدأ أركاني وتتفتّح له بساتين روحي.
Comments
Post a Comment