Skip to main content

نعيمُ الأصوات



مُقدّمة:

طالما كانت تلك النفس الضعيفة تتأثّر بأقل الكلمات، ولطالما الذي كان يُلقى في السمع يصب في القلب، وما أجمل أن يعيش الإنسان بين الكلم الطيّب، وبين الحروف المُعطّرة، حينها تتجمّل نفسه، وتعيش في اتسّاعٍ يأبى الضيق والظلمة.

تأمّل حين تقول لأحدهم كلمة طيبة، تأمّل أثرها في نفسه، كيف تتسّع عيناه، ويبتسم فاه، وينشرح صدره، ويُقبل عليك، بل يُقبل على الحياة بأكلمها.

ثم تأمّل كيف تكدّرت نفوس بكلمة أُلقيت ولم يُلقى لها بالًا، تأمّل كيف ينكمش الفؤاد، وكيف تتغيّر وتنقلب، بل تتحوّل.. إي والله، تتحوّل! تأمّل كيف يُغيّر الصخب من اتزان الإنسان، كيف ينقلب، وكيف يُصبح مشوّشًا لا يعرف إلى أين ومن أين! كله بالصوت، كله بالكلمات!


نعيمُ القول:

حين نقرأ عن الجنّة، نعلم ما فيها من الخير ومن الجمال الذي لم ولن يخطر على قلبنا، ولكن هل تُدرك أن من الجمال ما سنسمعه؟ نعم.. ذكر الله عزّ وجل ما سيسمعه أهل الجنّة، فاكتمال الجمال في السمع كمال النعيم.

تأمّل جيّدًا في الآيات التي ذُكر فيها ما سيسمعه أهل الجنّة، وقف عند كل آية! واسأل كيف هي إذًا نفوس أهل الجنّة؟ كيف هي النفوس التي سيكون هذا سمعها؟ 

يقول تعالى ﴿تَحِیَّتُهُمۡ یَوۡمَ یَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَـٰمࣱۚ وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَرِیمࣰا﴾ سلام.. هذه التحيّة، هذه الكلمة التي يُستقبل بها أهل الجنّة، تأمّل.. بعد كل هذه الرحلة، الآن وصلنا، ثم كان الوصول مختومًا مبدوءًا بـسلام! ألا تُذّكرك بشيء في الدُنيا؟ نعم.. الكلمة التي نقولها عند التلاقي "السلام عليك" اسأل الله أن يجعلها على مسامعنا دُنيا وآخرة.

تأمّل قوله تعالى ﴿دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ هناك ثلاثة كلمات: دعواهم "سُبحانك اللهم" والتحيّة "سلام" وءاخر دعواهم "الحمد لله رب العالمين" كيف يكون إشراق هذه الكلمات في نفوسٍ أدركت الجمال وحقيقته؟ كيف يكون انعكاسها في قلوب السامعين؟


وتزداد الآيات بتكرار الكلمات الطيّبة على مسامعهم ﴿وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمٌ﴾ ويقول تعالى ﴿ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ءَامِنِینَ﴾


تمام النعيم:

بل والأجمل أنه يتأكّد لهم أنه فقط الكلام الطيّب، فكل كلام خبيث بعيد كل البعد، بل كل صوت صعب، كل صوت شديد.. بعيد، وهذا هو تمام النعيم ﴿لَا یَسۡمَعُونَ حَسِیسَهَاۖ وَهُمۡ فِی مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَـٰلِدُونَ﴾

ويقول تعالى ﴿لَا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوࣰا وَلَا تَأۡثِیمًا ۝٢٥ إِلَّا قِیلࣰا سَلَـٰمࣰا سَلَـٰمࣰا ۝٢٦﴾ لحظة! لحظة واحدة.. هُنا نحتاج إلى وقفةٍ يسيره لنُدرك جيّدًا أنواع الكلم، الفرق بين اللغو والتأثيم وبين سلامًا سلامًا، إن اللغو لمجرد أنه لغو يُفسد كمال الجمال في الجنّات، والتأثيم يؤذي النفس لمُجرد سماعه، والنعيم في الجنّة كامل، والكامل يرفض كل لغو أو تأثيم!


ثم ماذا بعد؟ أقصد ماذا قبل؟ هل يعيشُ المؤمن جنّة الدُنيا قبل الآخرة؟ ﴿وَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ﴾هل كان يعرف المؤمنون شيئًا عن الجنة من قبل؟

تأمّل جيًدا  قوله تعالى ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ۝١ ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ ۝٢ وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ۝٣﴾ إنهم في الدُنيا يجتنبون اللغو، وفي الجنّة اللغو يجتبهم.

ثم تأمّل مرة أُخرى في صفات عباد الرحمن ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا﴾ قالوا سلاما.. لمن؟ للجاهلين! أليس هذا القول هو ذاته يسمعونه في الجنّة؟ 

ثم أكمل الآيات في﴿وَٱلَّذِینَ لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا﴾ وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراما! إنهم مرة أُخرى، يجتنبوه هنا فيجتنبهم هُناك؟ إنهم يحفظون أرواحهم، يحفظون نفوسهم لتليق بالسمع الطيّب! إنهم يُدركون جيدًا كيف تتأثر نفوسهم بالكلمات، إنهم يُدركون جيّدًا كيف قد تغيّر فيهم كلماتٍ تُلقى باللسان، ولا يُلقى معاها البال!

ولا نظن أن هذا سهل، ففي آية سورة الرعد، يقول تعالى ﴿سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ﴾ بما صبرتم، انكشف جهادهم، وانكشف كيف كانوا يقاومون كل قد يُبعدهم عن الدار.


نعيمٌ قبل النعيم

صدّقني.. المؤمن في الدُنيا يعيش جزءًا من نعيم الجنّة، يعيش بقلبه، يحفظه ليليق بمكانه الأصلي، ليليق بيبته الأوّل!

واللغو له أشكاله المتنوّعه، لا سيّما في عصرٍ يصرخ العالم كله في جيبك أو بين يدك! مواقع التواصل، الأفلام، المسلسلات، الأغاني، كلها كلها تأخذ من أرواحنا، تأخذ من سكون النفس، تأخذ من مشاعرها، وتعكس فوضاها فيها.

إن نفوسنا تغيّرت.. لأسباب كثيرة، لكن منها هذه الفوضى، منها بسبب ما نسمع، منها بسبب كثرة اللغو، والقيل والقال، منها الأذى الذي نتعرّض له يوميًا دون أن نشعر.

تأمّل قوله تعالى ﴿ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ ۝١ مَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ ۝٢ لَاهِیَةࣰ قُلُوبُهُمۡۗ﴾ لماذا هي لاهية؟ أين سكونها؟ أين انصاتها؟ صدّقني لو باشر القُرآن قلبًا صاغيًّا لغيّر فيه.

أنقل لك قول ابن القيّم -رحمه الله- عن القُرآن، فيقول: "أسمع والله لو صادف آذانا واعية، وبصر لو صادف قلوبا من الفساد خالية، لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها آراء الرجال فأغلقت أبوابها وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن إليها منفذا، وتحكمت فيها أسقام الجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل.

وا عجبا لها! كيف جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم تقبل الاغتذاء بكلام رب العالمين، ونصوص حديث نبيه المرفوع، أم كيف اهتدت في ظلم الآراء إلى التمييز بين الخطأ والصواب، وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السنة والكتاب؟ 

واعجبا! كيف ميزت بين صحيح الآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها، وأقرت على أنفسها بالعجز عن تلقي الهدى والعلم من كلام من كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيان وكلام من أوتي جوامع الكلم، واستولى كلامه على الأقصى من البيان؟ 


كلا، بل هي والله فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها، وحيرت العقول عن طرائق قصدها، يربى فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير.


وظنت خفافيش البصائر أنها الغاية التي يتسابق إليها المتسابقون، والنهاية التي تنافس فيها المنافسون، وتزاحموا عليها، وهيهات، أين السهى من شمس الضحى؟ وأين الثرى من كواكب الجوزاء؟ وأين الكلام الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم، من النقل المصدق عن القائل المعصوم؟ وأين الأقوال التي أعلا درجاتها أن تكون سائغة الاتباع، من النصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها والتحاكم إليها في محل النزاع؟ وأين الآراء التي نهى قائلها عن تقليده فيها وحذر، من النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتدي بها ويتبصر؟ وأين المذاهب التي إذا مات أربابها فهي من جملة الأموات، من النصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسماوات؟


سبحان الله! ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي، واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر؟! وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر؟ قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرا، وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زبرا، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا.


درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفلت كواكبه النيرة من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها، وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونها.


خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولاية اليقين، وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم كمين بعد كمين، نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام، فعاملوها بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام، وتلقوها من بعيد، ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا: ما لك عندنا من عبور، وإن كان ولا بد، فعلى سبيل الاجتياز، أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان، له السكة والخطبة وما له حكم نافذ ولا سلطان، المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر، مبخوس حظه من المعقول، والمقلد للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكار المتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول، وأهل الكتاب والسنة، المقدمون لنصوصها على غيرها جهال لديهم منقوصون {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} [البقرة: 13] .


حرموا والله الوصول، بعدولهم عن منهج الوحي، وتضييعهم الأصول، وتمسكوا بأعجاز لا صدور لها، فخانتهم أحرص ما كانوا عليها، وتقطعت بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها، حتى إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، وتميز لكل قوم حاصلهم الذي حصلوه، وانكشفت لهم حقيقة ما اعتقدوه، وقدموا على ما قدموه {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47] وسقط في أيديهم عند الحصاد لما عاينوا غلة ما بذروه.


فيا شدة الحسرة عندما يعاين المبطل سعيه وكده هباء منثورا، ويا عظم المصيبة عندما يتبين بوارق أمانيه خلبا، وآماله كاذبة غرورا، فما ظن من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربه يوم تبلى السرائر؟ وعذر من نبذ الوحيين وراء ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر؟


أفيظن المعرض عن كتاب ربه وسنة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال؟ أو يتخلص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال، وضروب الأقيسة وتنوع الأشكال؟ أو بالإشارات والشطحات، وأنواع الخيال؟


هيهات والله، لقد ظن أكذب الظن، ومنته نفسه أبين المحال، وإنما ضمنت النجاة لمن حكم هدى الله على غيره، وتزود التقوى وائتم بالدليل، وسلك الصراط المستقيم، واستمسك من الوحي بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم."

ثم لن أزيد.. واترك لك السلام الأخير.. 

فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته

سارة البابا


Comments

Popular posts from this blog

أقربُ إلى أَبِينَا آدم

  أمام كُل الأقوال التي تدّعي أن الإنسان يقوم بمُفردِه، يأبى الواقع مرارًا إلا أن يُثبت ضعف الإنسان وحاجته إلى ركُنٍ شديد يأوي إليه، فالضعفُ أمر مكتوب على الإنسان، وما أشدَّ الضعف حين لا يجد الإنسان من يستعين به! لكن حين يعرف ربّه الغني، هُنا يتفتح من الجلال والجمال ما يجعل للضعفِ حلاوة، يحيى بها العبد راضيًا مُشتاقًا. إن إدراك الضعف هو أولى الخطوات ليتعرّف الإنسان إلى ربّه، فإن أبانا آدم -عليه السلام- بضعفه الأوّل -حين أكل من الشجرة- تعرّف إلى الله -عز وجل- باسمه "التواب الرحيم"، يقول الله تعالى ﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ وهكذا علّمنا أبونا!  وحول هذا يقول ابن القيّم -رحمه الله- (فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الأسماء الْحسنى، فَمن أسمائه الغفور الرَّحِيم، الْعَفو الْحَلِيم، الْخَافِض الرافع، الْمعز المذل، المحيي المميت، الْوَارِث الصبور، وَلَا بُد من ظُهُور آثَار هَذِه الأسماء؛ فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أن ينزل آدم وَذريته دَارًا يظْهر عَلَيْهِم فِيهَا أثر أسمائه الحُسنى، فَيغْفر فِيهَا لمن يَشَاء، وَيرْ

المُطلق المُدرك

  بين اتساعين: يقول الله عزّ وجل ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا﴾ حين يعيش القلب في النعيم الأخروي، ويتقلّب بين مشاهد الجِنان.. تأتي خاطرة مُلّحة، هذه الخاطرة تتساءل مُتعجّبة "للأبد؟" "خالدين فيها؟" فكلمة الأبد أو الخلود كلمات لها مُطلق لا يُدركها العقل الدنيوي المحدود، تأتي كلمة الأبد ولا يستطيع العقل استيعاب اللاحد! لا يستطيع التصوّر إلا بتوّقف الزمن! ثم إذا ما جاء وصف الجنّة وجدنا الحديث القُدسي الذي يقول اللهُ تعالى فيه: "أعددتُ لعبادي الصالحينَ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، ذخرًا بَلْهَ ما أطلعتُهم عليه، اقرأوا إن شئتم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُونَ)"، فيقف العقل مرةً أُخرى أمام "ولا خطر على قلب بشر" فيحاول أن يتصوّر الجمال، ويتخيّله، ويدمجه، فلا يجد سبيلًا إلا بما يعرفه، فكيف بما لا

العبودية والتربية

مُقدّمة: في كل أمر من أمور حياتنا ومع واقعنا المُعاصر، لا بد أن نسأل "لماذا؟" حتى وإن بدا الأمر بدهيًّا، وذلك لأننا نحمل الكثير من الشوائب الفكرية المتخلطة، سواء من ثقافة المجتع، أو من الفكر الغربي، أو من غيرهما. وسؤال "لماذا" ضروري لأنه يكشف للإنسان المكرزية التي ينطلق منها، ومتى وضع الإنسان يده عليها فهم الكثير من الأفعال التي يرتكبها، فهل الإنسان المُعاصر مركوزًا إلى ركن شديد يأوي إليه؟ أم أنه في حالة لزجة لا تعرف الحدود والبدايات؟ النقطة الثانية في سؤال "لماذا" لأنه يفضح أو يكشف، يكشف أنّه لا حقائق إلّا حقيقة واحدة -الركن الشديد- وهي الحقيقة التعبديّة، الحقيقة التي يحيا من أجلها الإنسان ويموت عليها، لذا دعنا نسأل سؤال "لماذا" فيما يخص موضوعنا اليوم ألا وهو التربية، لماذا نُربّي؟ لو قال قائل حتى يكون مجتمعنا مجتمعًا فضيلًا، يستمتع بالأمان، لسألناه ثم بعد ذلك؟ يعيش سعيدًا.. ثم بعد ذلك؟ اااه.. نموت، وبالتالي يكشف الموت حقيقة الأشياء، ماذا بعد الموت إذًا؟ هل أديت المطلوب في التربية والذي ينفع لما بعد الموت؟ وبالتالي الإنسان العاقل، هو الذي تكون إ